الطاقة المتجددة .. هل من الممكن أن نضرب عصفورين بحجر؟
 

هالة عادل زواتي

كتبت في الآونة الأخيرة أكثر من مقال يطرح بعضها معضلة هروب مستهلكي الكهرباء الكبار -الداعمين لسعر الكهرباء- من الشبكة والى توجههم الى اعتماد توليد ما يحتاجونه من الكهرباء من الطاقة المتجددة بدلا من شرائها بالاسعار المرتفعة التي فرضت عليهم. ودعوت في مقالاتي الحكومة الى تخفيض سعر الكهرباء لهؤلاء المستهلكين وذلك حتى لا تجد الحكومة نفسها في مأزق وهو خروج داعمي التعرفة وبقاء المدعومين وبالتالي خسارة الدعم البيني فتجلس «ملومة محسورة»
وفي مقالات اخرى تحدثت وبإسهاب عن أهمية التحول للطاقة المتجددة وعن أهمية تسهيل طريق المستثمر للوصول للطاقة المتجدده والتي ما سلكها أحد الا وبكى وشكى وأسهب في وصف الصعوبات والتحديات التي تعرض لها، علما بأن من وجد ضالته المنشودة ووصل الى نهاية النفق ورأى النور باستخدام الطاقة المتجددة هم القلائل المحظوظون.
لكنني اليوم أجد نفسي في حالة فصام، فأنا من ناحية اشجع على تبني المشاريع المتجددة وأحث على تسهيل مهمة منشديها ، ومن ناحية أخرى تراني أشجع الحكومة على تخفيض الأسعار للمشتركين الكبار كي لا نخسر هؤلاء المشتركين للطاقة المتجددة ولكي لا يخسر اقتصادنا الوطني جزءا من الدعم الذي يحتاجه ولكي لا نغوص أكثر في ثنائية المديونية والعجز!!!!
هل انا في حالة فصام فعلا ؟؟ ام تراني كالأم التي تضاربت مصالح ابنائها ففقدت بوصلتها، ممزقة بين الوطن والمواطن، وبين عجز موازنة الوطن وعجز ميزانية المستثمر؟
هل هي فعلا «معادلة مجموعها صفر ؟؟؟ Zero sum game
وهل يمكننا ضرب عصفورين بحجر؟ وذلك بتعظيم الفائدة لطرفي المعادلة واثبات بأنه لا داعي لان يكون المجموع صفراً؟؟
انا اعتقد بأن ذلك ممكن، لكنه يتطلب من الحكومة والمستهلك الراغب بالتوجه للطاقة المتجدده « الأخذ والعطاء»
ماذا لو فرضت الحكومة على كل من يرغب في التحول للطاقة المتجدده من المستهلكين الكبار أن يولد احتياجاته بالاضافة الى ??? مثلا زيادة يتم ضخها في الشبكة دعما منه للمستهلكين الصغار والمحتاجين فعلا، أي انه وبدلا من أن يوفر المستهلك الكبير دعما ماليا للسلعة فهو يوفر السلعة نفسها، وبدلا من أن يوفر دعما دائما فهو يوفر دعما مستداما وبدلا من أن يشعر بأنه مغلوب على امره «ومكره أخاك لا بطل» فهو يشعر بالفخر بتقديم دعم موجه (كهرباء مش مصاري) لمحتاجيه!!! أنا أعتقد بأن في ذلك مصلحة لجميع اطراف المعادلة ، فهكذا حل يعني :
?- «يحل» المستهلك الكبير عن الحكومة ويستقل في انتاج الكهرباء ويصبح منتجا بدلا من أن يكون مستهلكا وبكل ما لذلك من أثر ايجابي على الاقتصاد الوطني
?- تثبت اسعار الكهرباء للمستهلك الكبير وبالتالي «تثبت الرؤية» لديه لتكلفة هذا البند على موازنته لاكثر من عشرين عاما مستقبلية وبذلك لا يعيش تحت قلق ارتفاع او انخفاض اسعار النفط أو ما سيحدث ان تغيرت الاحوال السياسية في المنطقه ( وما أكثرها)
?- ينخفض سعر الكهرباء بالنسبة للمستهلك الكبير ، وبشدة ، وبالتالي ينعكس ذلك على ارباحه وعلى صرفه في السوق وعلى تعيين المزيد من الموظفين وبالتالي مساهمه اكبر في النمو الاقتصادي للأردن
?- ترتفع جدوى المشاريع الاستثمارية في الاردن
?- لا ترتفع الاسعار على المستهلك الصغير ويبقى على ما هو
?- يستمر المستهلك الكبير في دعم المستهلك الصغير
?- ترتفع كمية الطاقة المولدة محليا وبالتالي أمن الطاقة في الاردن
?- تنخفض مستوردات الاردن من الطاقة( من خلال النفط والغاز) مما يعزز الناتج الاجمالي المحلي ويؤدي الى الازدهار.
?- إن تم التخطيط للموضوع بحكمة والابتعاد عن سياسة الفزعه، سنتمكن من التقليل من فواقد الكهرباء عبر الشبكة لاننا سنوزع توليد الكهرباء على المناطق بدلا من جرها الى المستهلك من مسافات بعيدة.
??- وأخيرا وليس آخرا ؛ سيصب ذلك في مصلحة شركة الكهرباء الوطنية والتي طالما دعمت المواطن ، فتوليد المزيد من الكهرباء وضخها في الشبكة يعني توفير الدعم الذي ستضطر الى ضخه في حال توقف المستهلكون الكبار من استهلاك الكهرباء من الشبكة ودفع الاسعار العاليه له والتي توفر الدعم البيني الذي يوفره المستهلكون الكبار للصغار.
ولكن...لكن...لكن... في المقابل ؛ على الحكومة أن تسهل إجراءات التحول للطاقة المتجددة وعليها أيضا أن تبدأ بتوفير الأراضي والسعات لإستيعاب أنظمة الطاقة المتجددة على الشبكة ، كما على الحكومة أن تفكر بإعطاء حوافز ضريبية مثل تخصيم او اعفاء قيمة ال ??? من الكهرباء من ضريبة الدخل ، اليست هذه ضمن برامج المسؤولية المجتمعية؟؟؟ الموضوع كما اسلفت «أخذ وعطاء»
أما بالنسبة للمستثمر، فإن تسهيل مهمته واعطاءه ارضاً مناسبة وتسهيلات حكومية واجرائيه وإعفاء ما يترتب على ذلك من ضريبة للدخل وتعظيم دوره في برامج المسؤولية المجتمعية وذلك مقابل زيادة ??? مثلا على الطاقة التوليدية لمحطة الطاقه المتجددة ، كل ذلك مجتمعا ( أي دون انتقاص أي من الشروط اعلاه) سيشجع المستهلك على قبول الزيادة في الانتاج.....أويخشى الغريق من البلل؟؟؟
المستهلك الكبير والقادر لن يبخل على الوطن بالدعم ولكن « بالعقل والعدل» .
الحلول موجودة ، والنية صافية، والإقتصاد في أمّس الحاجه، ونحن كرماء والأردن بيستاهل.
هل يا ترى أسمعت من بإمكانه أن يعلق الجرس؟